في هذه المجموعة من الكتابات، لثلاثة مصورين فلسطينيين لاجئين في مقتبل العمر، تعليقات على أعماالمصورة الأمريكية الأرجنتينية السندرا سنتغوينتي التي زارت فلسطين مرتين خلال الانتفاضة الثانية. محمد العزة وياسمين سالم وأريج أسعد، كانوا أطفالاً عندما التقطت المصورة السندرا هذه الصور. وقد وجدوا بعد سنوات طويلة أن لهذه الصور صدى سياسي وشخصي بالنسبة لهم. وثقت المصورة السندرا آثار العنف العسكري الإسرائيلي هناك، ولكنها التقطت أيضاً لحظات هادئة من التأمل. انجذب هؤلاء الكتاب لهذه الصور فكتبوا عن كونهم لاجئين يعيشون بجانب جدار الفصل العنصري.
* * *
"رحلة الى الماضي"، ياسمين سالم 16 عاماً
[أبو منير وحسن. مخيم عايدة، 2004. تصوير السندرا سنتغوينتي]
في هذه الصورة لعجوزين جالسين في التاكسي هنالك نظرات مليئة بالاستغراب والتساؤلات …ألم تنته قصتنا؟ ألم تحل قضيتنا بعد؟ أما زلنا هنا ولم نرجع لبيتنا وقريتنا؟ هذه النظرات مليئة بذكريات الماضي والشباب والتي رافقتهم خلال تواجدهم في ذاك التاكسي ذي الكراسي الجلدية السوداء التي صنعت صورة متناسقة مع لباس الرجلين المتشابه من الحطة والعقال اللذان يمثلان تراثنا. مع أن الرجلين لا ينظران إلى بعضهما البعض أو حتى في نفس الاتجاه أشعر بأنهما مشغولان في حديث عميق عن موضوع كلاهما يعرفه جيداً. و كأنهما يقولان لبعضهما البعضا:
درب سلكناه أنا وأنت. حلمنا بالعودة يوماً ما لقضاء ليلة من ليالينا سوياً مليئة بالغناء والدبكة بين أهلنا وجيراننا. أو لقضاء يوم بالزراعة والاعتناء بأرضنا، الأرض التي أعطتنا أشهى أنواع الزيتون والزيت. هل سنأكل من ذلك الزعتر يوماً؟ رحلة عشناها وها نحن هنا الآن ترافقنا ذكرياتنا، تجرحنا كل يوم ولكن لن يزول ذلك الأمل بالعودة لقضاء ليلة لا تنسى.
* * *
"لا أنام لأحلم"، محمد العزة 22 عاماً.
[يسرى، مخيم العزة، 2004. تصوير السندراسنتغوينتي]
هذه الصورة التي التقطتها الفنانة السندرا سانغوينيتي لمسنة فلسطينية وهي نائمة تكون خالة والدي الحاجة يسرى والتي ولدت في قرية بيت جبرين. بيت جبرين هي قرية فلسطينية تقع شمال غربي محافظة الخليل ويعني اسمها "بيت الأقوياء." وخالتي كانت واحدة منهم. في عام 1948 تم تهجير سكان البلدة على أيدي العصابات الصهيونية، مثلها مثل الكثير من القرى الفلسطينية المهجرة، حيث أصبح هذا التاريخ يعرف "بيوم النكبة" اليوم الذي تم الاعلان فيه عن إنشاء دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية.
نزحت عائلة الحاجة يسرى إلى مدينة بيت لحم واستقرت في مخيم العزة للاجئين، حيث نشأت و ترعرعت بين الخيام و في أزقة المخيم. وهناك أنجبت أولادها وأحفادها. كنت أحب الذهاب إلى بيتها والجلوس معها لأنها كانت تروي لي العديد من القصص عن بيت جبرين.
في هذه الصورة الحاجة يسرى نائمة وترتدي ثوبها الحريري المطرز على يديها والذي يحمل ألوان ورسومات تعبر عن المكان، الذي هي أصلاً منه، حيث أن كل قرية تحمل شكلاً مميزاً للتطريز خاصاً بها. لباسها يدل على تمسكها بالتراث والتاريخ الفلسطيني وحب الأرض. يا ترى بماذا تفكر الحاجة يسرى؟
هذه الصوره معبرة جداً. الإضاءة تضيف قوة للصورة وترشدنا إلى وقت التقاط الصورة بين الثانية عشرة والثالثة بعد الظهر وهذه وقت مناسب لأخذ قيلولة. تركيز المصورة على وجهها وعلى يديها يجعلنا نقرأ وجه الزمان فيها والمعاناة التي مرت بها. سجادة الصلاة التي توجد تحت رأسها تدل على تدينها.
هنالك قصيدة كتبها الشاعر الفلسطيني محمود درويش يقول فيها "لا أنام لأحلم". هذه قصيدة حب ولكن تذكرني أن هناك الكثير من حالات الراحة والقلق في المجتمع الفلسطيني. وهنا يسرى تمثل هذا البيت. من الممكن أنها تفكر أنها إذا نامت من الممكن أن تستيقظ وهي على طريق العودة لبيت جبرين، ولعلها تريد الهروب من أفكارها وتريح عقلها قليلاً. لكن، في نفس الوقت، الصورة لا تدل على راحتها بالنوم. لعلها خائفة أن تنام وألا تفيق في مسقط رأسها في بيت جبرين. أو أنها هاربة من خوفها أن تعيش الأجيال الجديدة كلاجئين و أن يناموا و يستيقظوا لاجئين. أو يضيع الحلم عليهم ويضلوا طريق العودة.
لقد قالها بعض القيادات الصهيونية عند احتلالهم فلسطين: إن الكبار سيموتون والصغار سينسون. في أواخر تشرين الأول من سنة 2011 توفيت الحاجة يسرى وكان من المحزن أن نفقدها، ولكنها جعلتنا نتمسك بحقنا في العودة إلى قرانا. فقد مات الكثير من كبارنا ولكن صغارنا ماضون في طريق العودة إلى فلسطين التاريخية. فكل جيل يحمل راية العودة فلن ننسى حقنا و لن ننسى أجدادنا.
***
أريج أسعد، 16 عاماً
[أبو ديس، 2004. تصوير السندرا سنتغوينتي]
أرض لطالما عشقناها. شاركناها الفرح والحزن. قضينا فيها أجمل أوقات طفولتنا. ذكرياتنا مغروسة هناك...هناك ! قديماً وأنا طفلة كنت أقول "هناك" وأعني الأرض التي ألعب فيها مع أصدقائي .الأرض التي أمشي فيها وأمرح...لكن الآن أقول "هناك" بمعنى الأرض التي سلبوها من بين أيدينا نحن الفلسطينيين.
تركز هذه الصورة من المصورة الارجنتينية الاسندرا سنغوينتي على طفلتين تمشيان على أرض عاقر بجانب جدار الفصل العنصري في مدينة أبو ديس في الضفة الغربية. تذكرني هذه الصورة بمكان أقضي فيه الكثير من وقتي. تذكرني بمخيم عايدة للاجئين في بيت لحم. مع أني أعيش في مدينة الدوحة ولكنني اذهب إلى مركز لاجئ في مخيم عايدة للتدريب الشعبي. هناك صورة مشابهة تماماً لهذه الصورة. هنالك جدار وأطفال يمشون طوال اليوم بجانبه. عندما أنظر إلى هذه الصورة وأرى هاتين الطفلتين أشعر برابط بيني وبينهما. أشعر وكأنهما محبطتان من وجود الجدار ومن عدم وجود مكان مفتوح للعب. ففي المخيم الجدار أخذ المكان المفتوح الذي كان يستعمل من قبل الجميع. أطفال ونساء ورجال.
تظهران وكأن خيبة الأمل تسيطر عليهما. مع أن المصورة السندرا التقطت الصورة من بعيد ولكن بحكم التشابه الجغرافي بين هذا المكان والمخيم أشعر أنني أفهم المعنى من وراء هذه الصورة وهو خسارة الأرض وتأثير الجدار على الأطفال.
كنت، ذات يوم، في طريقي مع أصدقائي إلى الأرض التي أصبحت خلف الجدار الآن للعب ولقضاء وقت ممتع. كنت أعرف أن إسرائيل كانت تبني جداراً حول الأرض ولكن موقع البناء كان بعيد. عندما وصلنا للمكان، كانت الأرض قد اختفت. تفاجأنا وغضبنا و تكلمنا كثيراً عما رأيناه. ولكن في النهاية، مشينا عائدين إلى المركز من دون أن نتكلم. كنا مندهشين من شكل وحجم الجدار. أشعر بأن ذات الشيء حصل مع هاتين الطفلتين في الصورة. كانتا ذاهبتين إلى اللعب و فجأة لم تجدا المكان الذي يحمل الكثير من ذكرياتهما.
[للنسخة الإنجليزية من المقال اضغط هنا ]